تُعد قوتنا المذهلة في التعلم جزءا محددا من كوننا بشرا، ومع ذلك ما زلنا لا نفهم تماما كيف تمتص أدمغتنا المهارات الجديدة.
وسلطت تقنيات التصوير الحديثة القوية، التي تسمح لنا بإلقاء نظرة عن كثب على كيفية عمل تقوية الذاكرة، الضوء على أهمية الراحة اليقظة في عملية التعلم.
ويدرك الباحثون منذ عام 1885 أن فترات الراحة من التدريب تعزز الحفظ عند تعلم مهارات جديدة. والآن، شهد العلماء أن أدمغتنا تعيد تشغيل الذكريات الجديدة بسرعة خلال فترات التوقف المريحة هذه عندما نؤدي نشاطا جديدا، وتحدث عمليات الإعادة أسرع بما يصل إلى 20 مرة من الفعل البدني لممارسة النشاط.
وقال كبير مؤلفي الدراسة، طبيب الأعصاب ليوناردو جي كوهين، من المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية (NINDS)، وهو جزء من المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة: “هذا هو أول عرض للتكرار العصبي اليقظ لمهارة مكتسبة حديثا تم الحصول عليها من خلال الممارسة على البشر”.
وقد عرفنا لبعض الوقت كيف يلعب النوم دورا حاسما في فسيولوجيا تقوية الذاكرة، واستقرار (أو ربما التبديل بين) الذاكرة أثناء انتقالها من التخزين على المدى القصير إلى التخزين طويل المدى.
وفي الدراسة الجديدة، راقب الباحثون كيف يمكن للراحة اليقظة أن تفعل ذلك للذاكرة الحركية، حيث يمكن أن تكون تقوية الذاكرة أقوى بشكل ملحوظ من العملية نفسها أثناء النوم.
واختبر عالم الأعصاب إيثان آر بوخ وكوهين وزملاؤهم 30 متطوعا في المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية. وقام المتطوعون بكتابة “41324” بيدهم غير المسيطرة بأسرع ما يمكن وبدقة خلال تجارب استغرقت 10 ثوان.
وعقب كل تجربة فترة راحة مدتها 10 ثوان وتكررت 36 مرة، أثناء تسجيلها من خلال تخطيط الدماغ المغناطيسي (MEG).
وتقيس تقنية التصوير هذه المجالات المغناطيسية الناتجة عن التيارات الكهربائية لخلايا الدماغ، ما يوفر للباحثين لمحة عالية الدقة عن نشاط الدماغ.
ويعد تحلل المجالات المغناطيسية في أنسجة المخ أكثر حدة من انحلال المجالات الكهربائية، ما يسمح لنا بتمييز تفاصيل أكثر دقة من التقنيات الأخرى مثل تخطيط كهربية الدماغ.
ولاحظ الباحثون أن عمليات إعادة التشغيل المتكررة (قصيرة تصل إلى 50 مللي ثانية) أثناء فترات الراحة تتماشى مع المهارات المكتسبة بشكل أفضل.
ويوضح الفريق أن هذا أسرع من أن يكون شكلا من أشكال التدريب الذهني الواعي.
واستمرت إعادة العرض العصبي 50 مللي ثانية فقط، 20 مرة أسرع من السلوك الفعلي. وكانت أحداث الإعادة هذه أكثر تواترا بثلاث مرات تقريبا خلال فترات الراحة بين نوبات الممارسة، مقارنة بفترات الراحة قبل التدريب أو بعده. وبالإضافة إلى ذلك، كان تكرار إعادة العرض أعلى خلال التجارب الإحدى عشرة الأولى، عندما كان الأشخاص يتعلمون بشكل أسرع، مقارنة بالتجارب الـ 11 الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، ارتبط تعزيز المهارات بشكل أكبر بأحداث إعادة عرض أكثر تكرارا خلال فترات الراحة بين فترات التدريب.
وأوضح بوخ: “بياناتنا تشير إلى أن تكرار الاستيقاظ السريع والمتكرر يعزز ارتباطات الحُصين والقشرة المخية الحديثة التي تم تعلمها خلال الممارسة السابقة، وهي عملية ذات صلة بتحسين الأداء اللاحق وتعزيز اليقظة للمهارات”.
ويعتقد الفريق أن ضغط أدمغتنا على إعادة تشغيل النشاط الذي سجلوه للتو هو ما يجند شبكات الدماغ المشاركة في معالجة هذه المهارات وتخزينها. ووجدوا أن هذا يشمل الحُصين، والمناطق الحسية الحركية، والأجزاء الداخلية من الدماغ.
وأضاف بوخ: “كان التورط القوي لنشاط الحصين والنشاط المتوسط-الزماني في إعادة تشغيل الذاكرة الحركية الإجرائية مفاجئا، نظرا لأن هذا النوع من الذاكرة غالبا ما يُعتقد أنه لا يتطلب مساهمات الحصين”.
ويخطط الباحثون لاستخدام التحفيز غير الجراحي للدماغ لاختبار ما إذا كانت إعادة العرض أثناء اليقظة تلعب دورا سببيا في تعلم المهارات المبكرة ولتحديد ما إذا كان الدمج السريع يدعم أنواعا أخرى من الذاكرة.
ويقول الفريق إن فهم كيف تأخذ أدمغتنا ما نمارسه وتحوله إلى مهارة يمكن أن يسمح لنا بتحسين استراتيجيات التعلم، بما في ذلك إنشاء علاجات أكثر فعالية للأشخاص الذين يعانون من إصابات الدماغ.