لا زواج في المغرب لمدة أسبوع، لأن موظفي العدول المكلفين التوثيق القانوني غاضبون، وأسدلوا الستار على مكاتبهم وعلقوا كافة أنشطتهم، احتجاجا على ما يسمونه “تلكؤ” وزارة العدل في تنفيذ مطالبهم.
ودخل هؤلاء الموظفون في إضراب عن العمل من الأول من يوليو إلى السابع منه، في خطوة تصعيدية جديدة بعد سلسلة من الاحتجاجات السابقة التي لم تلق تجاوبا من الحكومة المغربية، كما يقولون.
الهيئة الوطنية للعدول قالت إن هذه الخطوة تأتي كرد فعل على ما سمته “تجاهل وزارة العدل” لمطالبهم، المتمثلة أساسا في تحديث المهنة عبر مراجعة وتعديل القانون المنظم لخطة العدالة.
وعلق الموظفون العدول أنشطتهم اليومية من إبرام عقود البيع والزواج وباقي العقود والمساطر وأي وثيقة أخرى، وأيضا كل الخدمات الأخرى من استشارات وغيرها.
ودعت الهيئة الوطنية للعدول إلى حمل الشارة الحمراء طيلة شهر يوليو الجاري، حيث يخوض الموظفون منذ شهور سلسلة من الإضرابات والوقفات الاحتجاجية التي نظم بعضها أمام وزارة العدل.
رد الاعتبار للمهنة
وقال الكاتب العام للجمعية المغربية للعدول الشباب عبد الرزاق بويطة، إن “أهم المطالب التي قدمناها للحكومة إطلاق يد مهنة التوثيق العدلي، وهي مهنة مغربية أصيلة لصيقة بكل مكونات المجتمع، ورفع الأغلال المفروضة عليها من قبل عدة متدخلين كمؤسسة قاضي التوثيق والنساخة والعاطف ومذكرة الحفظ”.
وأضاف في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “أعتبر أن الدعوة إلى الإضراب جاءت متأخرة لأن معاناة العدول دامت لأكثر من 10 سنوات عجاف عاشها هؤلاء تحت وطأة قانون لا يستجيب لتطلعاتهم، ولا يساير تطور مهنة مترسخة في المشهد التوثيقي المغربي، حيث إنها أقدم وأوثق المهن التوثيقية التي ترافق المواطن المغربي قبل ولادته وإلى ما بعد وفاته”.
وشدد بويطة على أن “الموظفين العدول أصبحوا يجدون في القانون المنظم لمهنتهم عراقيل جمة تقيد الوثيقة العدلية وتحُد من فعاليتها لخدمة المواطن المغربي، علما أن تلك الوثيقة كانت دائما مصدر أمن وأمان على مر العصور والأزمنة، فكانت الحبل المتين بين السلاطين والرعية من خلال توثيق وثيقة البيعة، وكانت تلك الوثيقة سدا منيعا ضد المستعمر لصده عن تفويت عقارات المغاربة للمستعمرين، وكانت ولازالت تلك الوثيقة تؤسس الأسر وتحفظ الأنساب وتحقق الأمن التعاقدي”.
الكاتب العام للجمعية المغربية للعدول الشباب تابع مستنكرا أنه “رغم هذه الأدوار الكبرى نجد جهات عدة، عن قصد أو عن غير قصد، تريد النيل من هذه المهنة والحد من فاعليتها فكان من الواجب على الهيئة الوطنية للعدول الدعوة لإضراب وطني بدأ بيومين ثم أسبوع، إسماعا للصوت وتعبيرا عن عدم رضى العدول عن وضعيتهم المزرية التي سببها القانون الحالي، رغم أن المهنة اليوم تضم في صفوفها حاملي شهادات عليا في القانون وغيره. الإضراب جاء بعد أن تم استثناء الموظفين كليا أو جزئيا من عدة ورش إصلاح ضخمة عرفتها المملكة”.
قانون “بدائي”
ويتهم الموظفون المضربون وزارة العدل بالتنصل من مسؤولياتها في الموضوع، فمنذ سنة 2010، يجرون حوارات متوالية مع الحكومة من أجل تغيير القانون المنظم للعدالة، بدعوى تقادمه وعدم استجابته لمتطلبات الوقت الراهن، وحاجيات المجتمع التي تتطور بسرعة.
لكن إلى الآن تغيب الإجراءات الملموسة وفق إفادات الموظفين، ولا يزال ملفهم المطلبي يراوح مكانه.
وطالب إدريس ترادي رئيس المجلس الجهوي في محكمة الاستئناف ببني ملال، بتعديل قانون 16/03، المنظم لمهنة العدول في المغرب.
وتابع المتحدث في ندوة نظمها المجلس الجهوي لعدول استئنافية بني ملال، أنه حان الوقت لتحيين القانون المنظم لمهنة العدول في المغرب، نظرا إلى “عدم مسايرته لمقتضيات الدستور لا سيما المتعلقة بالمناصفة والحداثة والقوانين التنظيمية ذات الصلة”.
كما وصف مشاركون بالندوة القانون المذكور بـ”البدائي”، مستغربين موقف الوزارة الوصية، الذي يخالف التوجيهات الملكية على حد قولهم، وأكد الموظفون في ذات السياق أن القانون 16/03 يعطل مصالح المواطنين، ولا يساعد المرأة العدل في أداء مهامها.
تقليص “اللفيف العدلي”
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس وافق على فتح مهنة “العدل” أمام النساء، وبذلك سمح للمرأة أن تدخل مجال توثيق عقود الزيجات والطلاق والبيع لأول مرة.
وفي وقت سابق، كلف الملك وزير العدل بدراسة المسألة، كما جرت إحالة القضية على المجلس العلمي الأعلى وهو أعلى هيئة دينية في البلاد.
ولقيت المبادرة الملكية استحسانا واسعا لدى العدول والهيئات الحكومية والمنظمات، التي رأت فيها خطوة مهمة في مسار المساواة بين المرأة والرجل.
غير أن عدم تحيين القانون المنظم لخطة العدالة أبقى على عدة ثغرات، قوضت قيام المرأة العدل بدورها الكامل إلى جانب الرجل.
ويذكر موظفو العدول هنا مثال “اللفيف العدلي”، وهو مجموعة شهود يُعتمد عليهم في إثبات وقائع أو حقوق لا يملك أصحابها في الغالب وسائل إثبات خاصة، مثل زواج قديم أو بيع غير موثق، وحتى في قضايا النسب أو الإرث.
ويشدد العدول على أن العديد من الحقوق تضيع لأسباب واهية، منها عدم الاعتراف بشهادة المرأة رغم حضورها النازلة، ثم كثرة المتدخلين حيث تكتب الوثيقة وتمر عبر النساخ وقاضي التوثيق، وغيرهما.