عادت اللوحة الفسيفسائية الأثرية المكتشفة مؤخراً في مدينة الرستن بريف حمص إلى الأضواء، مع اكتشاف مشهد ثالث جديد فيها يجسد “حرب القناطير” التي ذكرت في الأسطورة اليونانية القديمة في النصف الثاني من القرن الرابع للميلاد.
وأعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف بوزارة الثقافة خلال مؤتمر صحفي في موقع اللوحة بمدينة الرستن اليوم أن المشهد الجديد للوحة نادر التمثيل ويعرف في الميثولوجيا اليونانية باسم “حرب القناطير” ما يعطي اللوحة أهمية استثنائية على مستوى العالم، بما احتوته من مشاهد مهمة، بينها المشهد المركزي الذي يمثل “إله البحر بوسيدون”، والمشهد الثاني الذي يمثل “حرب الأمازونات”.
وأوضح مدير الآثار والمتاحف محمد نظير عوض خلال المؤتمر الصحفي أن اكتشاف المشهد الجديد يعطي اللوحة أهمية استثنائية على مستوى العالم من حيث الموضوع والمساحات المملوءة بها، لافتاً إلى أن مشهد حرب القناطير وبتقييم خبراء ومختصين في الآثار يؤكد الأهمية التاريخية والآثارية والفنية لها في منطقة الرستن التي تحتضن بين ربوعها بقايا من مملكة آريتوزا بدءاً من الفترة الإغريقية واستمراراً بالمرحلتين الرومانية والبيزنطية، كما أنها غنية باللقى والمكونات الأثرية، إضافة إلى مجاورتها مملكة حمص.
وأكد عوض أهمية اللوحة التي تلقت الدعم اللوجستي من وزارة الثقافة ومحافظة حمص، بالتعاون مع متحف نابو اللبناني الذي مكنهم من شراء وتأمين المساحات، إضافة إلى دعم المجتمع المحلي ومتابعته وتسهيله عمل البعثة الأثرية، لافتاً إلى أنه واستناداً لأعمال التنقيب المستمرة في المكان واللوحة التي وجدت فيه يرجح أن يكون قصراً أو مركزاً حكومياً ضمن المملكة.
وبين مدير التنقيب والدراسات الأثرية في مديرية الآثار والمتاحف الدكتور همام سعد أن التقارير العلمية أظهرت أهمية اللوحة الفسيفسائية المكتشفة في الرستن، واستثنائيتها على مستوى العالم من حيث المشاهد الثلاثة التي جسدتها، إضافة إلى اكتشاف بوابة صرحية بجانبها، والعثور على بقايا لرسوم جدارية ضمن إحدى النوافذ.
وقال سعد: مع استمرار أعمال التنقيب تم العثور على المشهد المركزي ضمن إطار دائري يمثل حرب الأمازونات، وهذان المشهدان مذكوران في الميثيولوجيا اليونانية في إلياذة هوميروس، وكان الخلاف بأن المشهد الأول الذي يمثل الأسطورة لم يتجسد على مستوى العالم في لوحة فسيفسائية كالتي ظهرت في الرستن، وإنما على شكل رسومات جدارية، وهو ما يجعلها فريدة في العالم.
وأضاف سعد: مع استمرار أعمال التنقيب والبحث في المكان لمعرفة حدود اللوحة التي تقدر بثلاثمئة متر كان الطريق عائقاً ما اضطر البعثة إلى إجراء سبر ضمن مقطع الطريق ليظهر المشهد الثالث وهو حرب القناطير، وهي حرب مذكورة في الإلياذة وذكرها أحد المؤرخين اليونانيين، حيث دارت رحاها بين ثلاثة وخمسين قنطورا وثلاثة وعشرين من شعب اللابيتس اليوناني، وكان لها رمزية مهمة جداً وتعني الوحشية، أما القنطور فهو نصف جسد حصان والجزع العلوي إنسان، وهي ترمز إلى الصراع بين النظام والفوضى والمشهد المكتشف في اللوحة يجسد تفاصيل تلك الحرب.
وأكد سعد أن ما يعزز أهمية اللوحة المكتشفة أيضاً العثور على قطعة نقدية تؤرخ فترة الفيلسوف جوليان الجاحد المرتد إلى الوثنية، ما أعطاها أهمية أخرى لتجسيدها الفكر والفلسفة اليونانية، وهو ما يظهر عند جارتها أفاميا التي عثر فيها على لوحات فسيفسائية لها علاقة بالفكر الفلسفي الأفلاطوني الحديث، إضافة إلى المشاهد الرمزية في اللوحة المكتشفة التي توثق الثقافة الهلنستية المشبعة بالثقافة المحلية الشرقية.
وأوضح سعد أن عمليات البحث والتنقيب مستمرة في المكان وصولاً إلى اللوحة المكتملة في مدينة الرستن المشهورة بأوابدها التاريخية، ومنها تابوت الرستن المشهور والمحفوظ في المتحف الوطني بدمشق.
بدوره بين مدير الآثار والمتاحف في حمص حسام حاميش أن التنقيب في مكان اللوحة يحتاج إلى خبرات عالية، وخاصة في ظل الظروف الصعبة وبسبب توضعها على أكثر من عقار ما يتطلب التفاوض على استملاكها في منطقة غنية بالآثار، مشيراً إلى أن أعمال التنقيب في تل الرستن الأثري مستمرة منذ سبعة عشر عاماً، حيث تم اكتشاف أعمدة وتيجان تقارب في أهميتها الأعمدة التدميرية، كما يشير الحجم الكبير لشبكة المياه المكتشفة في المكان إلى وجود إمبراطورية آريتوزا.
وبين حاميش أن مديرية الآثار والمتاحف بحمص، بالتعاون مع المحافظة بصدد وضع دراسة لموقع اللوحة المكتشفة، وجعله متحفاً في الهواء الطلق عند الانتهاء من أعمال التنقيب واكتشاف المزيد من الآثار المطمورة.
واللوحة الفسيفسائية التي اكتشفت عام 2018 تم الوصول إليها بعد الحفر والتنقيب في أحد المنازل بمنطقة الرستن، يبلغ طولها عشرين متراً وعرضها ستة أمتار، وتعتبر فريدة على مستوى العالم لأهميتها من الناحيتين الأثرية والفنية.
وتجسد اللوحة حرب طروادة حيث يظهر الإمبراطور هرقل وهو يحاول السيطرة على الحزام السحري من ملكة الأمازونيات بعد قتلها، إضافة إلى الإطار الذي يلف اللوحة وفيه مشاهد للمقاتلات الأمازونيات ولجنود يمتشقون الأسلحة والدروع في ميدان المعركة مع اليونانيين، حيث دونت أسماؤهم، كما تتضمن اللوحة صورة لآلهة الريح والفصول.
نقلا عن سانا