الشخير ظاهرةٌ واسعة الانتشار، لا سيما وسْطَ الرجال. يؤثّر الشخير في العلاقة مع شركائنا في الحياة، فهو يضايقهم ويسبّب لهم الإزعاج (حتى أن بعض الأزواج يضطرون إلى النوم في غرفتين منفصلتَين)، وهو يسبّب إحراجًا بالغًا للأشخاص الذين يعانونه، خاصةً حين يذهب هؤلاء في سفر ويَرْكبون الطائرات، فهم يخشون الخلود إلى النوم (بسبب شعورهم بالإحراج).
ليس الشخير في حقيقة الأمر إلا القمة المرئيّة من جبل الجليد. الاضطراب التنفسي الانسدادي ذو درجات متفاوتة من حيث حِدّته: فققد يظهر على شكل اضطراب تنفسي خفيف، وقد يبلغ حدّ توقّف النّفس الانسدادي بدرجة متوسطة أو بالغة، بل وقد يتجاوز ذلك. كلما ارتفع عدد حالات توقُّف النّفَس في الساعة الواحدة لدى شخص ما، انخفضت نسبة الأكسجين في دمه.
تؤكّد المراجع والمقالات الطبية المهنية اليومَ بأن الشخير ليس مجرّد إزعاج، بل إنه يؤثّر في المَراضة العامة، وقد يُحْدِث مشكلاتٍ طبيةً مصاحِبة: ارتفاعًا في ضغط الدم، السكّري، انخفاضًا في الإدراك، مرض القلب، جلطات دماغية، بل والموت أيضا.
علاوةً على ذلك، يسبّب الشخير التعب المزمن، وقد يؤدي هذا بدوره إلى انخفاض عام في الإنتاجية وإلى وقوع الحوادث أثناء قيادة المَرْكبات. لهذا السبب، تطالب وزارة المواصلات السائقين الذين يعانون انقطاعَ النَّفَس النَّومي أن يخضعوا للعلاج؛ بل إنها تفرض العقوبات عليهم إن لم يحرصوا على تلقّي العلاج (من قَبيل عدم منحهم رخصة السياقة).
ما هي أسباب انقطاع النَّفَس أثناء النوم؟
ينجم انقطاع النفس النَّومي عن حدوث انخفاض بقوة العضلات أثناء النوم في كلٍّ من منطقة الحنك، ومنطقة البلعوم، وقاعدة اللسان، وفي كل نسيج المجاري التنفسية العلوية. عندما يحدث قصور في قوة العضلات في المناطق المذكورة، تصبح العضلات فضفاضة للغاية وتُحْدِث هبوطًا (ضغطًا سلبيا) في الأنسجة الرخوة أثناء النوم. عند الاستنشاق، يسقط كل شيء وينسدّ، فيرتجف الحنك مُحْدِثًا صوْتًا، هو الشخير.
السبب الثاني يعود إلى مشكلة في بُنية الجسم: مشكلة انسداد قد تكون ناجمة عن الأنف أو الحنك الرَّخو أو البلعوم أو قاعدة اللسان أو منطقة البلعوم السفلي ولسان المزمار. في مثل هذه الحالات ينسدّ عضو الجسم أثناء حدوث الضغط السلبي للشخير، ما قد يُسفر عن نشوء حاجز ميكانيكي يؤدي إلى توقف النَّفَس. مشكلة الشخير الناجمة عن بُنية في الجسم تتفاوت حِدّتها عادة بين الأشخاص، وهو تعتمد على بُنية الهيكل العظمي.
مع تقدُّم العمر (من سِنّ الثلاثين تقريبا فصاعدًا)، وكجزء من سيرورة التشيّخ الطبيعية للجسم، تصبح الأنسجة (ومنها أنسجة الحنك) رخوةً أكثر، وعادة ما يظهر الشخير في حقبة العمر هذه.
هناك عوامل تؤدي إلى تفاقم الشخير، الرئيسي بينها هو الوزن الزائد المعروف بأنه قد يؤدي إلى توقّف النفس النَّومي وزيادة حدّة الوضع.
كيف يتمّ تشخيص انقطاع النَّفَس النَّوْمي؟
يُجْرى التشخيص في مختبر النوم أو في مختبر بيتي قادر على نقل البيانات عن حالة انقطاع نفس المريض. بعد تلقّي البيانات المحوْسبة، يُجرى فحصٌ عام في عيادة الأنف، الأذن والحنجرة، تتمّ فيه معاينة منطقة الأنف ومنطقة الحنك وسائر المناطق التي يمكن أن تؤدي إلى الانسداد. بعد تجميع نتائج الفحص تُعْرَض على المريض وسائل العلاج الممكنة.
طُرُق علاج انقطاع النّفس النومي
ثمّة في الوقت الحالي طرق علاج محافِظة (غير جراحيّة) وطرق أخرى جراحية (عمليّات).
طُرُق العلاج المحافِظة:
خَفْض الوزن: بما أن الوزن الزائد هو سبب معروف لانقطاع التنفس أثناء النوم ولتفاقم المشكلة، فإن أول ما يُتوقَّع من المرضى الذين يعانون زيادةً بالوزن هو أن يخفضوا وزنهم.
استخدام القِناع: CPAP هو قِناع يوضع على الوجه عند الخلود إلى النوم، ويَكْمن دورُه في إدخال الضغط الإيجابي أثناء النوم، إذ أنه يقاوم حدوث هبوط في الأنسجة أو سقوطها، وهكذا يتم تجنُّب انقطاع النفس. لعلّ العيب في هذا العلاج هو الحاجة إلى النوم مع قناع، وهو أمر مزعِج وغير مريح، ما يدفع العديد من المعالَجين، الشباب خصوصا، إلى الامتناع عن اعتماده.
جهاز سِنّي: دعامة خاصة، توضع على الأسنان في الليل، وظيفتها سحب الفكّ السُّفلي إلى أمام إبّان النوم. لا يناسب جهاز الأسنان المذكور الجميعَ، وقبل استعماله يجب فحص ملاءَمته لدى طبيب الأسنان أو طبيب الفم والفكَّين.
طُرُق العلاج الجراحيّة: في حالة فشل العلاج المحافِظ وعدم التمكّن من حل المشكلة، يمكن إخضاع المعالَج لفحص يقوم على محاكاة نوم اصطناعي واستخدام منظار نوم مخدِّر (Sleep Endoscopy). يتم إجراء الفحص في غرفة العمليات بمساعدة خبير التخدير. ينام المعالَج نتيجة التخدير ويصل إلى وضع مماثل للنوم الطبيعي، فيُشخِّر. في هذه المرحلة يتم إجراء التنظير الباطني (الإنْدُوسْكُپِي) على النظام العلوي بأكمله، في محاولة للعثور على موقع الانسداد، على درجة الانسداد وعلى شكل انغلاق الأنسجة (كيف تنغلِق وتسدّ المجرى).
عملية جراحية بملاءَمة شخصية: بعد الحصول على نتائج الفحص، تتقرّر العملية الجراحية المناسبة للمريض. تتيح هذه الطريقة إجراء عمليات جراحية مختلفة في موقع واحد أو في عدة مواقع، ومحاولة التوصّل لحلٍّ للمشكلة. على سبيل المثال، يمكن إجراء عمليات في منطقة الأنف (عملية تقويمِ حاجزٍ)، علاج المَحارة الأنفيّة، والحنك الرّخو، واللَّهاة، واللوزتَين، والمنطقة المحيطة باللوزتَين، وخفض قاعدة اللسان، فضلا عن إجراء علاجات في لسان المزمار (غطاء أوتار الصوت).
المتابَعة بعد العلاج
بعد انقضاء بضعة شهور على العلاج، يُجرَى فحص مختبري إضافي لمعرفة ما إذا كان هناك أي تحسُّن في حالة المريض، وإن اقتضى الأمر، يواصلون العلاج.
الخُلاصة: الشخير ليس إزعاجا “شكليًّا” سهلا يمكن التغاضي عنه، إذ قد يُخْفي مشكلة طبية حقيقية من شأنها التسبّب بمرض في القلب وجلطة في الدماغ وغيرها من المشكلات. يجب معاينة أسباب ظهور انقطاع النفس أثناء النوم (والشخيرُ عرضٌ من أعراضه) ومعالجة المشكلة (سواء بالأسلوب المحافِظ أم بالطُّرُق الجراحية).